صور من عفو الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فما أجمل أن يعيش المسلم لحظات مباركة ينسى فيها مشاكله الدنيوية ويرجع إلى عهد الصفاء والمحبة والعفو والصفح الجميل وهل هناك أعظم من سيرة خير المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ننهل منها ؟
هيا بنا أخي المسلم لنعيش لحظات مباركة مع خير خلق الله أجمعين وصور من عفوه وصفحه صلى الله عليه وسلم
-أولى هذه الصور عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً من إحدى الغزوات وكانت تُسمى : ذات الرقاع فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غفلة من المسلمين انسل رجل من الكفار ومعه سيفه فقام عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله وقال : يا محمد من يمنعك مني الآن ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : الله فسقط السيف من يد الرجل, فأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك مني ؟ فقال الرجل : كن خير آخذ يا رسول الله فقال الرسول : قُل لا إله إلا الله, فقال الرجل : لا, غير أني لا أقاتلك, ولا أكون معك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخًلى الرسول سبيله . فجاء الرجل أهله فقال جئتكم من عند خير الناس .
هذا مثال بسيط أخي المسلم لأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الصورة فيها دعوة لكل مسلم ومسلمة أن نتعلم العفو عمن ظلمنا اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم
-وصورة أخرى لعفوه صلى الله عليه وسلم : ( عفوه عن المرأة اليهودية التي وضعت له السم في الطعام فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فقال لأصحابه : ( أمسكوا فإنها مسمومة ) وقال لها : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت أردت أن أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا أريح الناس منك . قال فما عرض لها رسول الله . وفي سيرة ابن هشام أنها سألت . أي عضو من الشاة أحب إليه فقيل لها الذراع . فأكثرت فيه من السم ثم سمًت سائر الشاة وجاءت بها فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع, فلاك منها مضغة, فلم يستسغها وكان معه / بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله فأما بشر فمات وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها وقال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم قال : فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فتفكر أخي المسلم في هذا العفو العظيم عن ذلك الجرم الخطير وكان في إمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من هذه المرأة ويأمر بقتلها وأيضا في هذا بيان لعفوه الكريم صلى الله عليه وسلم ولقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن اليهودي الذي يسمى / لبيد بن الأعصم وكان قد سحر النبي صلى الله عليه وسلم فعن / زيد بن أرقم قال : ( سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود قال فاشتكى لذلك أياما ً قال : فجاء جبريل عليه السلام فقال, إن رجلا من اليهود سحرك عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا فأرسل إليها من يجئ بها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله تعالى عنه فجاء بها فحللها قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال فما ذكر لذلك اليهودي ولا رأى وجهه قط حتى مات ) رواه أحمد في مسنده وفي هذا المقام يُروى أن علي بن أبي طالب قال : يا رسول الله دعني أقطع رقبة هذا الرجل . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا, أما أنا فقد شفاني الله ففي هذه الصورة يتبين لنا عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما نعرف جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعفو في حق نفسه ولا يغضب من أجل نفسه ولكن كان يغضب لله وهذا كما أمره ربُ العالمين : ( خُذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )
- وصورة أخرى من عفوه صلى الله عليه وسلم فهذا رأس المنافقين / عبدالله بن أُبي بن سلول يقول مع المنافقين : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) قال هذا بعد غزوة أُحد يقول : لئن رجعت إلى المدينة لأخرجن محمداً ذليلا وأنا العزيز .
-يقول / عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : لمًا انصرف المشركون عن قتلى أُحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظراً ساءه ورأى حمزة قد شُق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير, لأ قتلن مكانه سبعين رجلا منهم ثم دعى ببردة فغطى بها وجهه فخرجت رجلاه فجعل على رجله شيئا من الإذخر فلما فرغ نزل قوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين, وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين, واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون, إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) سورة النحل : 125 ~ 128 فهنا يمتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه ويقول : ( بل نصبر يا رب العالمين ) والمعروف أن الذي قتل حمزة رضي الله تعالى عنه هو وحشيً فلما فتح رسول الله مكة هرب وحشي قاتل ( حمزة ) هرب إلى الطائف فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنوا إسلامهم ضاقت على وحشي السبل وبعد فترة قدم على رسول الله المدينة وكان قد أسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوحشي ؟ قال : نعم يا رسول الله . قال : اقعد فحدًثني كيف قتلت حمزة . قال : فحدثته فلما فرغت من حديثي . قال : ويحك, غيًب عني وجهك, فلا أرينك, قال وحشي : ( فكنت أنكس رأسي حتى لا يراني رسول الله حتى قبضه الله تعالى ) فهذا موقف يتبين لنا فيه كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكظم غيظه فأي كظم للغيظ هذا ؟ بل أي حلم وعفو هذا الذي يلقى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل عمه الأثير وصديقه النصير, وشريكه في الجهاد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قادرا على أن يثأر لعمه بل كان كثير من الصحابة الكرام ينتظر إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقتل بها وحشي ليشفي غيظ نبيه صلى الله عليه وسلم لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم عفي عنه ابتغاء وجه الله تعالى وفي هذا بيان لأمته أن تتعلم العفو والصفح الجميل وكذلك في فتح مكة كان العفو الشامل والعام فعندما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مُخاطبا أهل مكة قائلا يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال : أقول كما قال أخي يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) اذهبوا فأنتم الطلقاء نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتمسكون بسنة رسول الله فنتعلم منه العفو والصفح الجميل اللهم آمين والحمد لله رب العالمين .