[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]إخواني أخواتي الكرام أعجبني هذا الموضوع ونقلته لكم لعله يعجبكم
أتمنى ان لا يكون مكرر
مناظرة بين القلب والعين
لما كانت العين رائداً، والقلب باعثاً وطالباً، وهذه لها لذة الرؤية،وهذا له لذة الظفر، كانا في الهوى
شريكَيْ عِنان.
ولما وقعا في العناءِ،واشتركا في البلاء، أَقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه.
فقال القلب للعين:
أنتِ التي سُقْتِني إلى موارد الهَلَكات، وأوقعتِني في الحَسرات بمُتابعتك اللَّحَظات،
ونزهت طرفك في تلك الرياض، وطلبت الشفاء من الحَدَق المِراض،وخالفتِ قول أَحكم الحاكمين:
"قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن ْأَبْصَارِهِمْ" سورة النور الآيات (24-30)، أوَ ما علمتِ أنه ليس شيءٌ
أضَرَّعلى الإنسان من العين واللسان؟ فما عَطِبَ أَكثرُ عَطِبَ إلا بهما، وما هَلَكَ أَكثرُ من هَلَكَ إلا
بسببهما، فللَّه كم من مَوْرد هَلَكةٍ أَورداه، ومصدر ردىً عنه أصدراه، فمن أحب أن يحيا سعيدا أو
يعيش حميدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر، فإنه كامن في فضول الكلام وفضول النظر.
وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره، فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع
عنهضرره، وقال لابن عمه علي رضي الله عنه: (لاتتبع النظرة النظرة)، أو ما سمعت قول العقلاء:
من سرح ناظره، أتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته [نظراته]، دامت حسراته، وضاعت أوقاته، وفاضت عبراته.
وقال الناظم:
نظر العيون إلى العيون هو الذي جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا
ما زالت اللحظات تغزو قلبـــــه حتى تشحط بينهن قتيــــــــلا
قالت العين:
ظلمتني أولاً وآخراً، وبُؤْتَ بإثمي باطناً وظاهراً، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك، ورائدك الدال عليك.
وإذا بعثت برائد نحو الذي تهوى وتعتبه ظلمت الرائدا
فأَنت الملك المطاع، ونحن الجنود والأتباع. أركبتني في حاجتك خيلَ البريد، ثم أقبلت عليّ بالتهديد والوعيد. فلو
أمرتني أَن أُغلق علي بابي، وأرخي علي حجابي، لسمعت وأطعت، ولَماَ رعيت في الحمى ورتعت، أرسلتني لصيدٍ
قد نُصِبَت لك حبائله وأشراكه، واستدارت حولك فِخاخه وشِباكه. فغدوت أسيراً، بعد أن كنتَ أميراً، وأصبحتَ
مملوكاً، بعد أن كنتَ مليكاً، هذا وقدحكم لي عليك سيدُ الأنام وأعدل الحكام عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث يقول:
(إنَّفي الجَسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سار الجسد ألا وهيا لقلب) رواه الشيخان.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه:
القلبُ ملك والأعضاء جنوده،فإن طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده. ولو أنعمت النظر لعلمت
أنفساد رعيتك بفسادك، وصلاحها ورشدَها برشادك، ولكنك هلكت وأهلكت رعيتك، وحملت على العين الضعيفة
خطيئتك، وأصل بليتك أنه خلا منك حب الله وحب ذكره وكلامه وأسمائه وصفاته، وأقبلت على غيره وأعرضت
عنه، وتعوضت بحب من سواه والرغبة فيه منه. فانظر بالله بمن استبدلت؟ وبمحبة من تعوضت؟ رضيت لنفسك
بالحبس في الحش [البستان]، وقلوبمحبيه تجول حول العرش. فلو أقبلت عليه وأعرضت عمن سواه لرأيت
العجائب، ولأمنت من المتالف والمعاطب، أوَ ما علمت أنه خص بالفوز والنعيم، من أتاه بقلبٍ سليم، أي سليم مما
سواه، ليس فيه غير حبه واتباع رضاه، وبين ذنبي وذنبك عند الناس كما بين عم ايوعماك في القياس. وقد قال من
بيده أزمة الأمور:
"فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" سورة الحج (22-40)
فلماسمعت الكبد تحاورهما الكلام، وتتاولهما الخصام، قالت: أنتما على هلاكي تَسَاعدتما،وعلى قتلي تعاونتما. ولقد
أنصف من حكى مناظرتكما، وعلى لساني متظلماًمنكما:
يقول طرفي لقلبي هِجت لي سَقَماً والعين تزعم أن القلب أنكاها
[أوقع بها]
والجسم يشهد أن العين كاذبـــــةٌ وهي التي هيجت للقلب بلــــــــــــــــواها
لولا العيون وما يجنين من سـقمٍ ما كنتُ مُطَّرَحاً من بعض قتــــــــــــــلاها
فقالت الكبد المظلومةاتَّئِــــــدا قطعتماني و ما راقبتمــــا الله
ثم قالت:
أنا أتولى الحكم بينكما. أنتما في البلية شريكا عِنان، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ، والقلب
يتمنى ويشتهي،
وإن لم تُدرِكْكُما عناية مقلب القلوب والأبصار، وإلا فما لكِ من قرة ولا للقلب من قرار.
والحاكم بينكما الذي يحكم بين الروح والجسد إذا اختصما بين يديه فإن في الأثر المشهور:
لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلائق حتى تختصم الروح والجسد، فيقول الجسد للروح:
أنت الذي حركتني وأمرتني وصرفتني، وإلا فأنا لم أكن أتحرك ولا أفعل بدونك.
فتقول الروح له:
وأنت الذي أكلت وشربت وباشرت وتنعمت، فأنت الذي تستحق العقوبة.
فيرسل الله سبحانه إليهما ملكاً يحكم بينهما فيقول:
مثلكما مثل مُقْعَدٍ بصيرٍ وأعمى يمشي، دخلا بستاناً، فقال المقعد للأعمى:
أنا أرى ما فيه من الثمار ولكن لا أستطيع القيام، وقال الأعمى:
أنا أستطيع القيام ولكن لا أبصر شيئاً، فقال له المقعد:
تعال فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول، فعلى من تكون العقوبة؟ فيقول: عليهما، قال: فكذلك أنتما.
وبالله التوفيق