م
ما حكم تحفيظ القرآن الإجباري بحيث نطلب من الأبناء حفظ القرآن رغمًا عنهم؟
السلام عليكم
ما حكم تحفيظ القرآن الإجباري بحيث نطلب من الأبناء حفظ القرآن رغمًا عنهم؟ وما حكم تحفيظ القرآن للطلبة والطالبات في المدارس، البعض لا يرغب في ذلك وربما إن لم يقم بتسميع الآيات تسميعا جيدا يأخذ موقفا سلبيا من القرآن؟
ورده
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الآباء مطالبون بتنشئة أبنائهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتعويدهم على الفضائل والمكارم، امتثالا لأمر الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. {التحريم : 6}. وقد قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ .. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ. رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
ولا شك أن حفظ القرآن من أعظم الفضائل، وهو فرض كفاية على المسلمين إلا ما يجب في الصلاة ففرض عين.
قال مرعي بن يوسف الحنبلي في (دليل الطالب): حفظ القرآن فرض كفاية، ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة. اهـ.
وقال البهوتي في (دقائق أولي النهى): ويبدأ الرجل ابنه بالقرآن ليتعود القراءة ويلزمها ويعلمه كله إلا أن يعسر, قال في الفروع : يتوجه أن يقدم بعد القراءة الواجبة العلم, كما يقدم الكبير نفل العلم على نفل القراءة. اهـ.
ولا يخفى أن الوالد يصوَّب ويُمدَح في كثير من الأحيان على إجباره لأبنائه على مصالح دنياهم كقضية الدراسة والتعلم في المدارس الموجودة في هذا العصر.
وكذلك في إجبارهم على مراعاة حدود الأدب تعويدا لهم عليها. فكذلك لا حرج عليه في إجباره لهم على حفظ القرآن، وهذا من جملة حقوق الأبناء على الآباء.
ذكر الخادمي في كتابه (بريقة محمودية) تتمة في تربية الأولاد، جاء فيها: ويذم عنده سيئ الأخلاق من الصبيان, ويمدح حسان أخلاقهم, ثم يجب أن يقدم إلى المكتب لتعليم القرآن. اهـ.
وقال ابن سحنون في كتابه (أدب العالم والمتعلم): إن الصبي إذا كان بليدا وجب أن يعلمه مقدار ما يصلي به خاصة ويسلمه لحرفة أو صنعة، وإن كان ذكيا فطنا وجب أن يعلمه جميع القرآن. اهـ. نقله عنه الرملي وزكريا الأنصاري في (أسنى المطالب).
وقد نص طائفة من الفقهاء على إكراه الوالد ولده على تعلم القرآن.
قال الحموي في (غمز عيون البصائر): ويُكرِه ولده الصغير على تعليم القرآن والأدب والعلم؛ لأن ذلك فرض على الوالدين. اهـ.
وجاء مثل ذلك في (البحر الرائق) لابن نجيم وحاشية ابن عابدين.
وقال ابن حجر الهيتمي في (تحفة المحتاج): رأيت الشارح في شرح العباب ذكر أن ظاهر كلام القمولي الضرب على السنن المذكورة أيضا، وأنه ليس ببعيد. ثم نظر في كلام المهمات ونازع م ر (يعني الرملي) في الضرب على السنن، لأن البالغ لا يعاقب على السنن فالصبي أولى. فأورد عليه أن الصبي يضرب على تعلم القرآن وهو سنة. فأجاب بمنع أنه سنة, بل هو فرض كفاية. اهـ.
وقال الشرواني حاشيته على (تحفة المحتاج): واعتمد شيخنا والبجيرمي ما في شرح العباب. اهـ.
فلا حرج على الوالد في إجبار ولده على حفظ القرآن، وعليه أن يختار في ذلك الأسلوب المناسب لشخصية الصبي ترغيبا أو ترهيبا، وعليه أيضا أن يتدرج في ذلك فيبدأ بالأخف لا بالأشد.
وكذلك لا حرج في تحفيظ القرآن للطلبة والطالبات في المدارس وإن كان بعضهم لا يرغب في ذلك، فإن أولياء الأمور مطالبون برعايتهم وحملهم على ما ينفعهم.
وأما مسألة الموقف السلبي الذي يمكن أن يأخذه من لا يجيد حفظ المقرر عليه، فهذا أمر مظنون، ويقابله ظن آخر وهو أن إلزامه بذلك قد يكون سببا في تحسين علاقته بالقرآن وإقباله على حفظه وتعلمه. ثم إن الاحتمال الأول قد يذكر حتى في إلزامهم بالواجبات الشرعية كالصلاة، لا سيما وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، فقال صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وعلى أية حال فينبغي للقائمين على ذلك أن يجتهدوا في الإصابة، وأن يتخيروا من الطرق أمثلها، ومن الوسائل أفضلها. وقد سبق لنا بيان أن ثواب حفظ القرآن يتعدى إلى الوالدين، في الفتوى رقم: 10941
كما سبق لنا بيان بعض وسائل ترغيب الطفل في حفظ القرآن، في الفتوى رقم: 77568
والله أعلم.