يجلسُ الأب بمفردهِ فقد مضت قافلةُ الأمواتِ بنبراسِ الحنانِ و شريكةِ الحياة , التلفازُ أمامه على الوضع الصامتِ وعلى الطاولةِ كوبٌ من الشاي الساخنْ لعلهُ يدفئ ليل الوحدةِ , والصمتُ مطبقٌ والهدوءُ المقيت يخيمُ الأجواء .
حملَ بيمينهِ الجريدة - صدرت منذ أسبوع أو أكثر- قلّب صفحاتها وشعرَ بالملل , فكلّ الأخبار متشابهة و جريدةُ اليوم تشابهُ جريدةَ الغدِ و جريدةَ الأمسِ قطعا , تمتم بكلماتٍ تُعبر عن سأمه ثم رفع صوتَ التلفازِ عالياً - أكثر مما يجب -... مهلاً فلاتلوموه ولا أحد يتهمه بأنه مصاب بـ" لوثة عقلية " هو أراد فقط الخروجَ من ذاك الجوِ الفظيع سيما و قد رستْ سفنُ الكآبةِ على شواطئ الصمتِ .
يا ربّ أعوذُ بكَ من الوحدةِ .. يا ربّ خرّجني من هذا الضيق .. يا ربّ يا ربّ . دعى ربهُ دعاء المضطر .
دقيقةُ صمتٍ واحدة مرّتْ فإذا الأبوابُ الموصدة تُفتح , نعمْ ... هم الأبناء قد خرجوا من صوامعهم .
" ما رأيتُ أسوأ من هذة الشركةِ المزودة للإنترنت قط , وأنا في غمرة الإنهماك في التصفح انقطع الإرسال " البنت الكبرى ويقطع صوت تشكيها صوت أحمد " كان معي على الخط- في الماسنجر - مكالمة مهمة , ياللإحراج "
الأب : تعالوا ..تعالوا والوجهُ يتهللُ بالبشرِ و الفرح - هذة الفطرة- اقتربوا يا فلذة كبدي , اقترب الأبناء و طبعوا على رأس والدهم القُبل , جلسوا و تسامروا لقرابة النصفِ ساعة .
فجاءةً وقفتْ أمل و ذهبتْ بعيداً.
الأب : إلى أين بُنيتي ؟!
البنت : لحظةَ ..لحظةَ ..سأحضرُ بعد أن أتفحص هذا الجهاز الغبيّ فلا يُعقل أن ينقطعَ الإرسال كل هذا الوقت , صرختْ أمل صرخةً عمت المكان قائلة :
" من هذا الأبله الذي قطع سلك الكهرباء ؟"
منْ الفاعل يا ترى ؟ كُلّنا نَعْرفهُ بلا ريبْ , إنه ذاك الوالدُ المتفطر قلبه على جلسةٍ حانيةٍ تجمعهُ ُبأبناءه لساعات لا لدقائق ; هم فيها أشبه بالمجبرين على مجالسته .
فهذة صورة تستحقُّ التأمل لأسرة من أسراب الأسرِ ترزحُ تحتَ و طاءةِ عدم الإنسجامِ و عدم وجود أي تواصل أسري لازم لأفرادها الكبار و الصغار فياربّ يّسر عودةً حميدةً راشدةً لأبنائنا و بناتنا .
آمين .