لصفقة

موضوع: لصفقة 12.12.11 16:28

تبرهن التطورات والأحداث الجارية في المنطقة العربية على محورية حماية إسرائيل من نتائج الهزيمة الأميركية في العراق ضمن كل ما يقوم به التحالف الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة ، في مناخ ما أطلق عليه الربيع العربي ، وبالتوازي مع خطوات الانسحاب الأميركي من العراق التي تتلاحق ميدانيا.

الصفقة بين الولايات المتحدة وقيادة تنظيم الأخوان المسلمين كشفها جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركية من القاهرة ولكن ما هو أدهى وأخطر من تصريحات فيلتمان عن صفقة عرفت بنتائجها كان المواقف التي صدرت عن قيادات تنظيم الأخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي و خصوصا في سورية ، وبعد كلام برهان غليون عن اعتزام مجلس اسطنبول فك التحالف السوري الإيراني وقطع العلاقة نهائيا مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وخوض المفاوضات مع إسرائيل حول الجولان ، رافضا الطريق العسكري للتحرير وعلى الرغم من عقم مسارات التفاوض في الصراع العربي الإسرائيلي ، وخصوصا فيما يتصل بالجبهة السورية ، ظهرت تصريحات لقادة الأخوان في سورية يعلن مصدروها اعتزامهم إذا ما ظفروا بالحكم ، تحريك الجيش السوري في هجوم على لبنان يستهدف تأديب المقاومة اللبنانية وبالتالي تصفيتها ، أي تنفيذ المهمة التي عجزت عنها إسرائيل عامك 2006 ومعها تحالف من ثلاثين دولة في العالم والمنطقة تقوده الولايات المتحدة.

ليست تصريحات فيلتمان ولا مواقف قادة الأخوان وشركاهم أو واجهاتهم كغليون وأضرابه سوى تعبير واضح وحاسم عن حقيقة ما تحركه الدوائر الغربية في مس(*) الشرق العربي وحيث تشكل التوجهات المعادية لحركات المقاومة ولكتلة المقاومة والاستقلال في المنطقة تعبيرا صريحا عن الالتزام بحماية إسرائيل والسعي إلى تعويض الهزائم الأميركية الكبرى التي عاشتها المنطقة وتعيش فصولها منذ احتلال العراق.

ولعل التوقف أيضا عند ما يجري في ليبيا وفي تونس وفي مصر يشير بكل وضوح إلى تلك الحقائق التي تتحول لفضيحة تامة عندما يتصل الأمر بالثورة الشعبية السلمية المغدورة في البحرين والتي لا يجد المتشدقون بخطب الثورات العربية والربيع العربي أي ضير في تغطيتهم للمذبحة المتواصلة بهدف سحقها.

الخطة الغربية تقوم على استهداف الدولة الوطنية السورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين وإقامة حالة مفتوحة من الاستنزاف بالتزامن مع الهروب الأميركي من جحيم العراق بعد الهزيمة المدوية التي ألحقها الشعب العراقي والمقاومة العراقية بالمحتلين خلال السنوات المنصرمة ، ولأن الهزيمة الأميركية في العراق والهزائم الإسرائيلية في لبنان وفلسطين أنشأت واقعا دوليا جديدا يشير إلى انكسار مشروع الهيمنة الأحادية الأميركية فإن الحركة الغربية التي تتركز على استهداف سورية واحتضان قادة الأخوان المسلمين وغيرهم من المجموعات المتطرفة تحت رعاية الأنظمة الخليجية التابعة للغرب يقدم نموذجا حقيقيا لطبيعة السلطة العميلة والمتخلفة التي يراد تعميمها في المنطقة والتأسيس بها للمزيد من النزاعات التي تقود إلى إيقاظ العصبيات وإطلاق موجات التفتت وبالتالي تحول دون إحياء الدول الوطنية القوية التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة مصدر الخطر الحقيقي.

المفارقة الحاسمة التي تؤكدها الأحداث هي أن القارة الأوروبية تحولت إلى آلة مقطورة خلف سياسات الولايات المتحدة وقد أسلمت النخب الأوروبية الحاكمة أمر خياراتها في الشرق لمشاريع أميركا وإسرائيل وهي تشارك عمليا في جميع المستويات السياسية والإعلامية والأمنية من الخطة الأميركية الجاري تنفيذها وحيث يمثل تزييف المشهد الإعلامي وتعميم الصورة الإيديولوجية و الافتراضية المزورة عن التطورات والأحداث عنصرا حاسما في تغطية سياسات تقوم على تحويل الممالك و المشيخات التابعة للغرب إلى قوة مهيمنة في الفضاء العربي لتصبح جميع الدول العربية الأخرى مشتتة القدرات والقوى تنخرها النزاعات والعصبيات وتشلها عن تأكيد حضورها في المعادلة و بحيث يكفي أن يبلغ القرار الأميركي إلى من يلزم بين المحيط والخليج بواسطة موظف في الخارجية القطرية لتسري المشيئة الاستعمارية .

الأحجية الكبرى التي يفترض بالنخب الثقافية والفكرية الأوروبية والأميركية أن تجيب عليها ليست في تبني القوى المتطرفة دينيا آو تعويم قادة تنظيم الأخوان المسلمين الذين كانت لهم حظوة في الغرب و لدى مخابراته منذ منتصف القرن العشرين في مرحلة مكافحة الشيوعية فهذه لعبة استخباراتية معروفة سبق أن اختبرت في تأسيس نواة شبكة القاعدة تحت عنوان محاربة السوفييت في أفغانستان ولكن السؤال الأدهى و الأبلغ هو كيف يزعم الغرب دعمه للديمقراطية بينما يوظف ما دعي بالثورات في سبيل إقامة منظومة إقليمية تقودها دول بلا دساتير وبلا مجالس منتخبة ويحظر فيها العمل الحزبي تتصدرها السعودية وقطر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]